الفصل الرابع
فإن قالوا : ما حكم الصغار عندكم ! قلنا : هم كالبالغين و أن العقل يكمل لهم ليعرفوا بذلك منزلتهم و سعادتهم و يلهمون الجواب عما يسألون عنه . و هذا ما تقتضيه ظواهر الأخبار ، فقد جاء أن القبر ينضم عليه كما ينضم على الكبار . و قد تقدم . و ذكر هناد بن السرى قال : حدثنا أبو معاوية عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه قال :[ إن كان ليصلى على النفوس ما أن عمل خطيئة قط فيقول : اللهم أجره من عذاب القبر ] .
الفصل الخامس
فإن قالوا : فما تأويلكم في القبر : حفرة من النار ، أو روضة من رياض الجنة ؟ قلنا : ذلك محمول عندنا على الحقيقة لا على المجاز . و أن القبر يملأ على المؤمن خضراً و هو العشب من البنات ، و قد عينه عبد الله بن عمرو بن العاص فقال : هو الريحان كما في حق الكافر يفرش له لوحان من نار ، و قد تقدم . و قد حمله بعض علمائنا على المجاز و المراد خفة السؤال على المؤمن ، و سهولته عليه و أمنه فيه ، و طيب عيشه و وصفه بأنه جنة تشبيهاً بالجنة و النعيم فيها بالرياض يقال : فلان في الجنة إذا كان في رغد من العيش و سلامة . فالمؤمن يكون في قبره في روح و راحة و طيب عيش ، و قد رفع الله عن عينيه الحجاب حتى يرى مد بصره كما في الخبر ، و أراده بحفرة النار ضغطة القبر و شدة المساءلة و الخوف و الأهول التي تكون فيها على الكفرة و بعض أهل البكائر : و الله أعلم ، و الأول أصح لأن الله سبحانه و رسوله يقص الحق و لا استحالة في شيء من ذلك .
الفصل السادس
روى أبو عمر في التمهيد عن ابن عباس قال : سمعت عمر بن الخطاب : أيها الناس إن الرجم حق فلا تخذ عن عنه . و إن آية ذلك أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قد رجم . و أن أبا بكر قد رجم . و إنا قد رجمنا بعدهما . و سيكون أقوام من هذه الأمة يكذبون بالرجم . و يكذبون بالدجال و يكذبون بطلوع الشمس من مغربها . و يكذبونها بعذاب القبر . و يكذبون بالشفاعة ، و يكذبون بقوم يخرجون من النار بعدما امتحشوا .
قال علماؤنا رحمة الله عليهم : هؤلاء هم القدرية و الخوارج ، و من سلك النار سبيلهم . و افترقوا في ذلك فرقاً . فصار أبو الهذيل و بشر : إلى أن خرج عن سلمة الإيمان ، فإنه يعذب بين النفختين ، و أن المساءلة إنما تقع في تلك الأوقات و أثبت البلخي و كذلك الجبائي و ابنه : عذاب القبر . و لكنهم نفوه عن المؤمنين و أثبتوه الكافرين و الفاسقين . و قال الأكثرون من المعتزلة : لا يجوز تسمية ملائكة الله تعالى بمنكر و نكير ، و إنما المنكر ما يبدو من تلجلجله إذا سئل ، و تقريع الملكين له هو النكير ، و قال صالح : عذاب القبر جائز ، و أنه يجري على الموتى من غير رد الأرواح إلى الأجساد ، و أن الميت يجوز أن يألم و يحس و يعلم . و هذا مذهب جماعة من الكرامية . و قال بعض المعتزلة : إن الله يعذب الموتى في قبورهم ، و يحدث فيهم الآلآم و هم لا يشعرون ، فإذا حشروا وجدوا تلك الآلام . و زعموا أن سبيل المعذبين من الموتى ، كسبيل السكران أو المغشى عليه ، لو ضربوا لم يجدوا الآلام ، فإذا عاد إليهم العقل وجدوا تلك الآلام ، و أما الباقون من المعتزلة . مثل ضرار بن عمرو و بشر المريسي و يحيى بن كامل و غيرهم ، فإنهم أنكروا عذاب القبر أصلاً ، و قالوا : إن من مات فهو ميت في قبره إلى يوم البعث و هذه أقوال كلها فاسدة تردها الأخبار الثابتة و في التنزيل : النار يعرضون عليها غدواً و عشياً . و سيأتي من الأخبار مزيد بيان ، و بالله التوفيق و العصمة و الله أعلم