باب منه و ما جاء أن الميت يعذب ببكاء أهله عليه و هم من شر الناس له
روى أبو هدبة قال إبراهيم بن هدبة ، قال : حدثنا أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إن العبد الميت إذا وضع في قبره ، و أقعد . قال : يقول أهله : وا سيداه وا شريفاه وا أميراه قال : يقول الملك : اسمع ما يقولون . أنت كنت سيداً ؟ أنت كنت أميراً . أنت كنت شريفاً ؟ قال : يقول الميت : يا ليتهم يسكتون قال : فيضعط ضغطة تختلف فيها أضلاعه .
فصل قال علماؤنا رحمة الله عليهم : قال بعض العلماء أو أكثرهم : إنما يعذب الميت ببكاء الحي . إذا كان البكاء من سنة الميت و اختياره ، كما قال :
إذا مت فانعيني بما أنا أهله و شقي علي الجيب يا ابنة معبد
و كذلك إذا وصى به . و قد روى ما يدل على أن الميت يصيبه عذاب ببكاء الحي عليه و إن لم يكن من سنته و لا من اختياره و لا مما أوصى به . و استدلوا بحديث أنس المذكور . و بما روى من حديث قيلة بنت مخرمة . و ذكرت عند النبي صلى الله عليه و سلم ولداً لها مات ثم بكت . فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : أيغلب أحيدكم أن يصاحب صويحبه في الدنيا معروفاً . فإذا حال بينه و بينه من هو أولى به منه استرجع ؟ ثم قال : اللهم أثبني فيما أمضيت ، و أعني على ما أبقيت . فو الذي نفس محمد بيده إن أحيدكم ليبكي فيستعبر له صويحبه . يا عباد الله لا تعذبوا موتاكم ذكره ابن أبي خيثمة ، و أبو بكر بن أبي شيبة و غيرهما . و هو حديث معروف إسناده لا بأس به و سياقه يدل على أن بكاء هذه لم يكن من اختيار لابنها لأن ابنها صاحب من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم . و لا كان هذا البكاء المعروف في الجاهلية الذي كان من اختيار الميت و مما يوصي به .
و ذكر أبو عمر بن عبد البر في كتاب الاستيعاب من حديث أبي موسى الأشعري عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : الميت يعذب ببكاء الحي عليه . إذا قالت النائحة وا عضده وا ناصراه وا كاسياه جبذ الميت و قيل له : أنت ناصرها ؟ أنت كاسيها .
و ذكر البخاري من حديث النعمان بن بشير قال : أغمي على عبد الله بن رواحة فجعلتلا أخته عمرة تبكي و تقول : و اجبلاه . واكذا . واكذا . تعدد عليه فقال حينت أفاق : ما قلت شيئاً إلا قيل لي : أأنت كذلك ؟ فلما مات لم تبك عليه . و هذا أيضاً لم يكن من سنة عبد الله بن رواحة ، و لا من اختياره ، و لا مما أوصى به ، فصابه في الدين أجل و أرفع من أن كان يأمر بهذا أو يوصي به .
و روى أبو محمد عبد الغني بن سعيد الحافظ من حديث منصور بن زاذان ، عن الحسن ، عن عمران بن حصين قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إن الله ليعذب الميت بصياح أهله عليه فقال له رجل : يموت بخراسان و يناح عليه ها هنا ؟ فقال عمران : صدق رسول الله صلى الله عليه و سلم . و كذبت .
قال المؤلف رضي الله عنه : و هذا بظاهره أن بنفس الصياح يقع التعذيب و ليس كذلك . و إنما هو محمول على ما ذكرناه . و الله أعلم .
و قال الحسن : إن من شر الناس للميت : أهله يبكون عليه ، و لا يقضون دينه .