مسلم عن أبي سعيد الخدري . قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : لقنوا موتاكم لا إله إلا الله . و ذكر ابن أبي الدنيا عن زيد بن أسلم قال : قال عثمان بن عفان : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إذا احتضر الميت فلقنوه لا إله إلا الله فإنه ما من عبد يختم له بها موته إلا كانت زاده إلى الجنة ، و قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : احضروا موتاكم و لقنوهم : لا إله إلا الله و ذكروهم فإنهم يرون ما لا ترون .
و ذكر أبو نعيم من حديث مكحول عن إسماعيل بن عياش بن أبي معاذ عتبة ابن حميد عن مكحول عن وائلة بن الأسقع عن النبي صلى الله عليه و سلم : احضروا موتاكم و لقنوهم لا إله إلا الله و بشروهم بالجنة فإن الحكيم من الرجال يتحير عند ذلك المصرع و إن الشيطان أقرب ما يكون من ابن آدم عند ذلك المصرع . و الذي نفسي بيده لمعانية ملك الموت أشد من ألف ضربة السيف ، و الذي نفسي بيده لا تخرج نفس عبد من الدنيا حتى يتألم كل عرق منه على حياله . غريب من حديث مكحول لم نكبته إلا من حديث إسماعيل .
فصل : قال علماؤنا : تلقين الموتى هذه الكلمة سنة مأثورة عمل بها المسلمون . و ذلك ليكون آخر كلامهم لا إله إلا الله فيختم له بالسعادة ، و ليدخل في عموم قوله عليه السلام من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة . أخرجه أبو داود من حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه ، صححه أبو محمد عبد الحق ، و لينبه المحتضر على ما يدفع به الشيطان ، فإنه يتعرض للمحتضر ليفسد عليه عقيدته ، على ما يأتي .
فإذا تلقهنا المحتضر و قالها مرة واحدة فلا تعاد عليه ليلاً بفجر ، و قد كره أهل العلم الإكثار من التلقين ، و الإلحاح عليه إذا هو تلقنها أو فهم ذلك عنه . قال ابن المبارك : لقنوا الميت لا إله إلا الله فإذا قالها فدعوه . قال أبو محمد عبد الحق : و إنما ذلك لأنه يخاف عليه إذا لج عليه بها أن يتبرم و يضجر ، و يثقلها الشيطان عليه ، فيكون سبباً لسوء الخاتمة . و كذلك أمر ابن المبارك أن يفعل به . قال الحسن بن عيسى : قال لي ابن المبارك : لقني ـ يعني الشهادة ـ و لا تعد علي إلا أن أتكلم بكلام ثان ، و المقصود أن يموت الرجل و ليس في قلبه إلا الله عز و جل لأن المدار على القلب ، و عمل القلب هو الذي ينظر فيه ، و تكون النجاة به . و أما حركة اللسان دون أن تكون ترجمة عما في القلب فلا فائدة فيها ، و لا عبر عندها .
قلت : و قد يكون التلقين بذكر الحديث عند الرجل العالم كما ذكر أبو نعيم أن أبا زرعة كان في السوق و عنده أبو حاتم ، و محمد بن سلمة . و المنذر بن شاذان و جماعات من العلماء ، فذكروا حديث التلقين فاستحيوا من أبي زرعة فقالوا : يا أصحابنا تعالوا نتذاكر الحديث . فقال محمد بن سلمة : حدثنا ضحاك بن مخلد ، حدثنا أبو عاصم ، قال حدثنا عبد الحميد بن جعفر عن صالح بن أبي غريب و لم يجاوزه . و قال أبو حاتم : حدثنا بندار ، حدثنا أبو عاصم ، عن عبد الحميد بن جعفر ، عن صالح بن أبي غريب و لم يجاوزه و الباقوت سكوت . فقال أبو زرعة و هو في السوق : حدثنا أبو عاصم عن عبد الحميد بن جعفر عن صالح بن أبي غريب ، عن كثير بن مرة الحضرمي ، عن معاذ بن جبل قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة و في رواية حرمه الله على النار و توفي رحمه الله .
و يروى عن عبد الله بن شبرمة أنه قال : دخلت مع عامر الشعبي على مريض نعوده فوجدناه لما ، و رجل يلقنه الشهادة و يقول له : لا إله إلا الله و هو يكثر عليه فقال له الشعبي . ارفق به ، فكلم المريض و قال : إن تلقني أو لا تلقني . فإني لا أدعها ثم قرأ و ألزمهم كلمة التقوى و كانوا أحق بها و أهلها فقال الشعبي الحمد لله الذي نجى صاحبنا هذا . و قيل للجنيد رحمه الله عند موته : قل لا إله إلا الله فقال ما نسيته فأذكره .
قلت : لا بد من تلقين الميت ، و تذكيره الشهادة ، و إن كان على غاية من التيقظ فقد ذكر أبو نعيم الحافظ من حديث مكحول عن وائلة بن الأسقع عن النبي صلى الله عليه و سلم : احضروا موتاكم و لقنوهم : لا غله إلا الله ، و بشروهم بالجنة ، فإن الحكيم من الرجال و النساء يتحير عند ذلك المصرع ، و إن الشيطان أقرب من ابن آدم عند ذلك المصرع و الذي نفسي بيده لمعانية ملك الموت أشد من ألف ضربة بالسيف ، و الذي نفسي بيده لا تخرج نفس عبد من الدنيا حتى يتألم كل عضو منه على حياله .
و روي عن أبي هريرة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : حضر ملك الموت رجلاً ، قال : فنظر في قلبه فلم يجد فيه شيئاً ، ففك لحييه فوجد طرف لسانه لاصقاً بحنكه يقول لا إله إلا الله فغفر له بكلمة الإخلاص .
ذكر ابن أبي الدنيا في كتاب المحتضرين بإسناده . و خرجه الطبراني بمعناه و سيأتي في آخر أبواب الجنة إن شاء الله .