ابن المبارك عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه قال : إذا قبضت نفس المؤمن تلقاها أهل الرحمة من عباد الله تعالى كما يتلقون البشير في الدنيا ، فيقبلون عليه يسألونه فيقول بعضهم لبعض: انظروا أخاكم حتى يستريح ، فإنه كان في كرب شديد قال : فيقبلون عليه فيسألونه : ما فعل فلان ؟ ما فعلت فلانة هل تزوجت ؟ فإذا سألوه عن الرجل قد مات قبله فيقول : إنه هلك فيقولون : إنا الله و إنا إليه راجعون . ذهب به إلى أمه الهاوية فبئست الأم وبئست المربية قال : فتعرض عليهم أعماله فإن رأوا حسناً فرحوا و استبشروا و قالوا : اللهم هذه نعمتك على عبدك فأتمها . و إن رأوا شراً قالوا : اللهم راجع بعبدك .
قال ابن المبارك : و أخبرنا صفوان بن عمرو ، قال : حدثني عبد الرحمن بن جبير بن نفيلا أن أبا الدرداء كان يقول : إن أعمالكم تعرض على موتاكم فيسرون و يساؤن قال : يقول أبو الدرداء : اللهم إني أعوذ بك أن أعمل عملاً يخزى به عبد الله بن رواحة .
و في رواية : اللهم إني أعوذ بك من عمل يخزيني عند عبد الله بن رواحة .
أخبرنا عبد الله بن عبد الرحمن بن يعلي الثقفي قال : أخبرني عثمان بن عبد الله بن أوس أن سعيد بن جبير قال له : أستأذن لي على ابنة أخي ، و هي زوجة عثمان و هي ابنة عمرو بن أوس ، فاستأذنت له فدخل عليها ثم قال : كيف يفعل بك زوجك ؟ قالت : إنه إلي لمحسن فيما استطاع . فالتفت إلي ثم قال : يا عثمان أحسن إليها فإنك لا تصنع بها شيئاً إلا جاء عمرو بن أوس فقلت : و هل تأتي الأموات أخبار الأحياء ؟ قال : نعم ما من أحد له حميم إلا و يأتيه أخبار أقاربه فإن كان خيراً سر به و فرح و هنئ به و إن كان شراً ابتأس و حزن به حتى إنهم ليسألون عن الرجل قد مات فيقال : أو لم يأتكم ؟ فيقولون : لا ، خولف به إلى أمه الهاوية .
و عن الحسن البصري رضي الله عنه قال : إذا قبض روح العبد المؤمن عرج به إلى السماء فتلقاه أرواح المؤمنين فيسألونه فيقولون: ما فعل فلان ؟ فيقول أو لم يأتكم ؟ فيقولون : لا و الله ما جاءنا و لا مر بنا فيقولون : سلك به إلى أمه الهاوية . . فبئست الأم و بئست المربية .
و قال وهب بن منبه : إن لله في السماء السابعة داراً يقال لها البيضاء ، تجتمع فيها أرواح المؤمنين فإذا مات الميت في أهل الدنيا ، تلقته الأرواح فيسألونه عن أخبار الدنيا كما يسائل الغائب أهله إذا قدم إليهم ، ذكره أبو نعيم رحمه الله .
فصل : هذه الأخبار و إن كانت موقوفة فمثلها لا يقال من جهة الرأي .
و قد خرج النسائي بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال الحديث و فيه : فيأتون به أرواح المؤمنين فلهم أشد فرحاً من أحدكم بغائبه يقدم عليه فيسألونه : ما فعل فلان ؟ ما فعلت فلانة ؟ فيقولون : دعوه فإنه كان في غم الدنيا فإذا قال : أو ما أتاكم ؟ قالوا : ذهب به إلى أمه الهاوية ، و ذكر الحديث و سيأتي بكماله إن شاء الله تعالى .
و خرج الترمذي الحكيم في نوادر الأصول قال : حدثنا أبي رحمه الله قال : حدثنا قبيصة ، عن سفيان ، عن أبان بن أبي عياش ، عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إن أعمالكم تعرض على عشائركم و أقاربكم من الموتى فإن كان خيراً استبشروا و إن كان غير ذلك قالوا : اللهم لا تمتهم حتى تهديهم لما هديتنا .
و خرج من حديث عبد الغفور بن عبد العزيز عن أبيه عن جده قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : تعرض الأعمال يوم الاثنين و يوم الخميس على الله ، و تعرض على الأنبياء و على الأباء و الأمهات يوم الجمعة ، فيفرحون بحسناتهم و تزداد وجوههم بياضاً و تشرق . فاتقوا الله عباد الله لا تؤذوا موتاكم بأعمالكم .
و روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : إن أرواحكم تعرض إذا مات أحدكم على عشائركم و موتاكم ، فيقول بعضهم لبعضهم : دعوه يستريح فإنه كان في كرب . ثم يسألونه : ما عمل فلان ؟ و ما عملت فلانة ؟ فإن ذكر خيراً حمدوا الله و استبشروا ، و إن كان شراً قالوا : اللهم اغفر له حتى أنهم يسألون ، هل تزوج فلان ؟ هل تزوجت فلانة ؟ قال : فيسألونه عن رجل مات قبله فيقول : ذاك مات قبلي ؟ أما مر بكم ؟ فيقولون : لا و الله . فيقولون : إنا لله و إنا إليه راجعون . ذهب به إلى أمه الهاوية ، فبئست الأم و بئست المربية ، حتى إنهم ليسألونه عن هر البيت . ذكره الثعلبي رحمه الله .
و قد قيل في قوله عليه الصلاة و السلام : الأرواح جنود مجندة ، فما تعارف منها ائتلف ، و ما تناكر منها اختلف : إنه هذا التلاقي ، و قد قيل : تلاقي أرواح النيام و الموتى . و قيل غير هذا . و الله أعلم .
باب منه
روى من حديث ابن لهيعة ، عن بكير بن الأشج ، عن القاسم بن محمد ، عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : الميت يؤذيه في قبره ما يؤذيه في بيته ، قيل يجوز أن يكون الميت يبلغ من أفعال الأحياء و أقوالهم ما يؤذيه في قبره ، بلطيفة يحدثها لهم : من ملك يبلغ ، أو علامة ، أو دليل ، أو ما شاء الله ، و هو القادر على ما يشاء .
و روي عن عروة قال : وقع رجل في علي رضي الله عنه عند عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال عمر رضي الله عنه : ما لك قبحك الله : لقد آذيت رسول الله صلى الله عليه و سلم في قبره .
قال علماؤنا : ففي هذا الحديث زجر عن سوء القول في الأموات .
و في الحديث : أنه نهى عن سب الأموات و زجر عن فعل ما كان يسؤوهم في حياتهم ، و فيه أيضاً زجر عن عقوق الآباء و الأمهات بعد موتهما بما يسؤوهما من فعل الحي .
فقد روي في الحديث أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يهدي لصدائق خديجة صلة منه لها وبراً و إذا كان الفعل صلة وبراً كان ضده عقوبة و قطيعاً و عقوقاً . و قيل : يجوز أن يكو ن معنى الحديث : الميت يؤذيه في قبره من كان يؤذيه في بيته إذا كان حياً فيكون [ ما ] بمعنى [ من ] و يكون ذلك مضمراً في الكلام ن و الإشارة إلى الملك الموكل بالإنسان .
فقد ورد في الخبر عن النبي صلى الله عليه و سلم : إن الملك يتباعد عن الرجل عند الكذبة يكذبها ميلين من نتن ما جاء به و كذلك كل معصية لله تؤذي الملك الموكل به . فيجوز أن يموت العبد و هو مصر على معاصي الله غير تائب منها و لا مكفر عنه خطاياه فيكون تمحيصه و تطهيره فيما يلحقه من الأذى من تغليظ الملك إياه أو تفريعه له و الله سبحانه و تعالى أعلم .