أبو نعيم ، عن عاصم الأحول ، عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم الموت كفارة لكل مسلم . ذكره القاضي أبو بكر ابن العربي في سراج المريدين له ، و قال : فيه حديث صحيح حسن .
فصل : إنما كان الموت كفارة ، لكل ما يلقاه الميت في مرضه من الآلام و الأوجاع ، و قد قال صلى الله عليه و سلم : ما من مسلم يصيبه أذى ، من مرض فما سواه إلا حط به سيئاته كما تحط الشجرة ورقها . خرجه مسلم .
و في الموطأ عن أبي هريرة : عن رسول الله صلى الله عليه و سلم : من يرد الله به خيراً يصب منه . و في الخبر المأثور يقول الله تعالى : إني لا أخرج أحدا من الدنيا ، و أنا أريد أن أرحمه ، حتى أوفيه بكل خطيئة كان عملها : سقما في جسده . و مصيبة في أهله و ولده ، و ضيقاً في معاشه ، و إفتاراً في رزقه ، حتى أبلغ منه مثاقيل الذر فإن بقي عليه شيء شددت عليه الموت ، حتى يفضي إلى كيوم ولدته أمه .
قلت : و هذا بخلاف من لا يحبه و لا يرضاه كما في الخبر يقول الله تعالى : وعزتي و جلالي لا أخرج من الدنيا عبداً أريد أن أعذبه ، حتى أعذبه ، حتى أوفيه يكل حسنة عملها بصحة في جسده ، و سعة في رزقه ، و رغد في عيشه ، و أمن في سربه ، حتى أبلغ منه مثاقيل الذر ، فإن بقي له شيء هونت عليه الموت ، حتى يفضي إلي و ليس له حسنة يتقي بها النار .
قلت : و في مثل هذا المعنى ما خرجه أبو داود بسند صحيح فيما ذكر أبو الحسن بن الحصار عن عبيد بن خالد السلمي و كانت له صحبة عن النبي صلى الله عليه و سلم : موت الفجأة أخذة أسف للكافر ، و رواه أيضاً مرسلاً .
و روى الترمذي عن عائشة رضي الله عنها : إنها راحة للمؤمن و أخذه أسف للكافر .
و روى عن ابن عباس أن داود عليه السلام مات فجأة يوم السبت و عن زيد بن أسلم مولى عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : [ إذا بقي على المؤمن من ذنوبه شيء لم يبلغه بعمله شدد عليه الموت ليبلغ بسكرات الموت و شدائده درجته من الجنة ، و إن الكافر إذا كان قد عمل معروفاً في الدنيا ، هون عليه الموت ليستكمل ثواب معروفه في الدنيا ثم يصير إلى النار ] . ذكره أبو محمد عبد الحق .
و خرج أبو نعيم الحافظ من حديث الأعمش عن إبراهيم ، عن علقمة ، عن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : نفس المؤمن تخرج رشحاً ، و إن نفس الكافر تسل كما تسل نفس الحمار ، و إن المؤمن ليعمل الخطيئة فيشدد بها عليه عند الموت ليكفر بها عنه . و إن الكافر ليعمل الحسنة فيسهل عليه عند الموت ليجزي بها ذكره أبو محمد عبد الحق ، و ذكر ابن المبارك أن أبا الدرداء رضي الله عنه ـ قال : [ أحب الموت اشتياقاً إلى ربي ، و أحب المرض تكفيراً لخطيئتي ، و أحب الفقر تواضعاً لربي عز و جل ] .