قال علماؤنا رحمهم الله : و أما مشاهدة ملك الموت عليه السلام و ما يدخل على القلب منه من الورع و الفزع ، فهو أمر لا يعبر عنه لعظم هوله و فظاعة رؤيته ، و لا يعلم حقيقة ذلك إلا الذي يبتدئ له و يطلع عليه ، و إنما هي أمثال تضرب و حكايات تروى . .
روى عن عكرمة أنه قال : رأيت في بعض صحف شيث أن آدم عليه السلام قال : يا رب أرني ملك الموت حتى أنظر إليه ، فأوحى الله تعالى إليه : إن له صفات لا تقدر على النظر إليها و سأنزله عليك في الصورة التي يأتي فيها الأنبياء و المصطفين ، فأنزل الله عليه جبريل و ميكائيل و أتاه ملك الموت في صورة كبش أملح قد نشر من أجنحته أربعة آلاف جناح ، منها جناح جاوز السموات و الأرض ، و جناح جاوز الأرضين ، و جناح جاوز أقصى المشرق ، و جناح جاوز أقصى المغرب ، و إذا بين يديه الأرض بما اشتملت عليه من الجبال و السهول و الغياض و الجن و الإنس و الدواب و ما أحاط بها من البحار و ما علاها من الأجواء في ثغرة نحرة كالخردلة في فلاة من الأرض ، و إذا عيون لا يفتحها إلا في مواضع فتحها ، و أجنحة لا ينشرها إلا في مواضع نشرها ، و أجنحة للبشرى ينشرها للمصطفين ، و أجنحة للكفار فيها سفافيد و كلاليب و مقاريض ، فصعق آدم صعقة لبث فيها إلى مثل تلك الساعة من اليوم السابع ، ثم أفاق و كان في عروفة الزعفران . ذكر هذا الخبر ابن ظفر الواعظ المكنى أبو هاشم محمد بن محمد في كتاب النصائح .
و روى عن ابن عباس أن إبراهيم خليل الرحمن سأل ملك الموت أن يريه كيف يقبض روح المؤمن فقال له : اصرف وجهك عني فصرف ، ثم نظر إليه فرآه في صورة شاب حسن الصورة حسن الثياب طيب الرائحة حسن البشر فقال له : و الله لو لم يلق المؤمن من السرور شيئاً سوى وجهك كفاه ثم قال له : أرني كيف تقبض روح الكافر فقال له : لا تطيق ذلك قال : بلى أرني ، قال : اصرف وجهك عني فصرف وجهه عنه ، ثم نظر إليه فإذا صورة إنسان أسود رجلاه في الأرض و رأسه في السماء كأقبح ما أنت راء من الصور ، تحت كل شعرة من جسده لهيب نار ، فقال له : و الله لو لم يلق الكافر سوى نظرة إلى شخصك لكفاه .
قال الشيخ المؤلف رحمه الله : و سيأتي هذا المعنى مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه و سلم في الملائكة في حديث البراء و غيره إن شاء الله تعالى .
و قال ابن عباس أيضاً : كان إبراهيم عليه السلام رجلاً غيوراً ، و كان له بيت يتعبد فيه فإذا خرج أغلقه فرجع ذات يوم فإذا هو برجل في جوف البيت فقال : من أدخلك داري ؟ فقال : أدخلنيها ربها ، قال إبراهيم : أنا ربها ، قال : أدخلنيها من هو أملك بها منك ، قال : فمن أنت من الملائكة ؟ قال : أنا ملك الموت . قال : أتستطيع أن تريني الصورة التي تقبض فيها روح المؤمن ؟ قال : نعم ، ثم التفت إبراهيم فإذا هو بشاب فذكر من حسن وجهه و حسن ثيابه و طيب رائحته فقال : يا ملك الموت لو لم يلق المؤمن عند الموت إلا صورتك لكان حسبه ، ثم قبض روحه صلى الله عليه و سلم .
فصل : قال علماؤنا رحمة الله عليهم : لا يتعحب من كون ملك الموت يرى على صورتين لشخصين ، فما ذلك إلا مثل ما يصيب الإنسان بتغير الخلقة في الصحة و المرض و الصغر و الكبر و الشباب و الهرم ، و كصفاء اللون بملازمة الحمام و شحوبة الوجه بتغير اللون بلفح الهواجر في السفر ، غير أن قضية الملائكة عليهم السلام يجري ذلك منهم في اليوم الواحدة ، و إن لم يجر هذا على الإنسان إلا في الأوقات المتباعدة و السنين المتطاولة ، و هذا بين فتأمله .