أبو سعيد الحسن البصري . . حدث عنه ولا حرج حدث عن صُلاحه وتقاه ، عن خشيته وخوفه من ربه ومولاه ، حدث عن زهده وورعه ، عن طاعاته وعبادته عن جرأته في الحق وجهره به ، عن جمال سمته ، وجلال كلامه وصمته ، عن إقباله على الله ، وإدباره عن الدنيا وهربه منها ، حدث عن سيد الزاهدين وشيخ الصالحين المتقين في عصره .
ولد أبو سعيد في مدينة رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم في عهد الفاروق عمر بن الخطاب من أب كان مولى لرجل من الأنصار ، وأم كانت مولاة لأم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها .
وربى الحسن البصري في بيت أم سلمة ، ونشأ في ظلالها ، ورضع من أفاويق حكمتها وعزتها وجلالها مع ما رضع ، فوهب بلاغة الكلام ، وفصاحة اللسان ، وحلاوة البيان ، ونشأ هذه النشأة الطاهرة ، وشهد في المدينة هذه الفترة الباهرة ، وعاش زاهداً متبتلاً .
ثم هاجر إلى البصرة ملتقى العلماء ومنتجع البلغاء ، فعاش فيها ونسب إليها ، وجالس الأخيار الصالحين من قطانها ، وصار مسجد البصرة الجامع منتداه ، وحلقات العلم فيه مبتغاه ، وتجرد قلبه من حسب الدنيا ، وامتلأ روحه بالخوف من الله ، والإقبال على طاعته ، والانصراف إلى عبادته ، طلباً للنجاة ، وفراراً من الهلاك في الآخرة ورهبة الناس ، وخافوا من سطوة لسانه ، ولذع بيانه ، وأحلوه من نفوسهم مكاناً علياً .
وكانت بيئة البصرة في عصر أبي سعيد مزدهرة بحلقات العلم والعلماء ، فقد عاش فيها الخليل بن أحمد ( 100 - 175هـ ) وإمام العربية سيبويه ( 138 – 180هـ ) وأبو عمرو بن العلاء ( 80 – 156هـ ) وفيها نشأ علم النحو وعلم اللغة ، ووضع الخليل أول معجم لغوي وهو كتاب العين ، وابتكر أوزان الشعر بعلم سماه علم العروض ، وفيها ألف سيبويه ( الكتاب ) .
وفي البصرة ومسجدها الجامع كان يجلس أعلام من الصحابة والتابعين يعلمون الناس أمور الشريعة ، ويفتونهم في مسائل الدين ، فكان أهل البصرة يعتمدون على فتاوي أبي موسى الأشعري ، وأنس بن مالك من الصحابة ، والحسن البصري . وابن سيرين ( ت 100هـ ) من التابعين ، وقد وضع الحسن البصري أساس علم التصوف وكان رائد الزهاد في عصره .
وقد عاصر الحسن الخليفة الزاهد عمر بن عبد العزيز خامس الخلفاء الراشدين زهداً وورعاً وتحكيماً للدين في سياسة الحكم .
ولا شك أنه كان لذلك صداه وأثره في نفس أبي سعيد ، وإضافة إلى ذلك كله نشأته في بيت أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها ، وكرمها في الآخرة كما كرمها في الدنيا .
وهكذا عاش أبو سعيد في هذه البيئة الإسلامية العربية العالية ، عيشة الصالحين الأخيار ، والزهاد الأبرار ، والمجاهدين بكلمة الحق ، دونما خوف من إنسان ، أو رهبة لذي سلطان .
رحمك الله أبا سعيد ، فإنك لم تراقب في قولك إلا الله ، ولم تخشى أحداً سواه .
عاش أبو سعيد عهد عمر وعثمان وعلي والحسن ، ثم عهد معاوية ويزيد ومروان ، وعبد الملك ، والوليد وسليمان ، وعمر بن عبد العزيز ، وهشام ، ومع سلطان أمراء البصرة وسطوتهم ، وبخاصة زياد بن أبيه ، والحجاج بن يوسف الثقفي ، فقد نجاه الله من شرهم ، ورعاه مولاه القادر المهيمن ، وحماه من الرهبة والخوف من شرورهم وطغيانهم .
وعاد أبو سعيد إلى ما كان عليه من طاعة ربه ، والالتفات إلى مولاه ، والعكوف على العبادة بكل قوته ، حتى بلغ من رضاء الله عليه مبلغاً كبيراً . وتوفى عام 110هـ .المصدر: التصوف في الإسلام وأعلامه للدكتور محمد عبد المنعم خفاجي – ص 16 – 17 .