أبو داود عن بريدة بن خصيب قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها . فإن في زيارتها تذكرة ، و ذكر النسائي عن بريدة أيضاً عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : من أراد أن يزور قبراً فليزره ، و لا تقولوا هجراً بمعنى سوءاً ، و ذكر أبو عمر من حديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : ما من رجل يمر بقبر أخيه المؤمن كان يعرفه فسلم عليه ، إلا رد عليه السلام روي هكذا موقوفاً عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : فإن لم يعرفه و سلم : رد عليه السلام .
مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت : قلت يا رسول الله : كيف أقول إذا دخلت المقابر ؟ قال : قولي السلام على أهل الديار من المؤمنين و المسلمين ، و يرحم الله المستقدمين منا و المتأخرين . و إنا إن شاء الله بكم لاحقون خرجه مسلم من حديث بريدة أيضاً . و زاد : أسأل الله لنا و لكم العافية ، و في الصحيحين أنه عليه السلام مر بامرأة تبكي عند قبر لها فقال لها : اتقي الله و اصبري الحديث .
فصل : هذه الأحاديث تشتمل على فقه عظيم و هو جواز زيارة القبور للرجال و النساء و السلام عليها و ورد الميت السلام على من يسلم عليه و جواز بكاء النساء عند القبر ، و لو كان بكاؤهن و زيارتهن حراماً لنهى النبي صلى الله عليه و سلم المرأة و لزجرها زجراً يزجر مثله من أتى محرماً و ارتكب منهياً . و ما روي من نهي النساء عن زيارة القبور فغير صحيح . و الصحيح ما ذكرت لك من الإباحة إلا أن عمل النساء في خروجهن مما لا يجوز لهن من تبرج أو كلام أو غيره فلذلك المنهي عنه . و قد ذكرت لك في الباب قبل الفرق بين المتجالة و الشابة فتأمله ، و قد أبيح لك أن تبكي عند قبر ميتك حزناً عليه أو رحمة له مما بين يديه ، كما أبيح لك البكاء عند موته . و البكاء عند العرب يكون البكاء المعروف و تكون النياحة . و قد يكون معهما الصياح و ضرب الخدود و شق الجيوب . و هذا محرم بإجماع العلماء ، و هو الذي ورد فيه الوعيد من قوله عليه السلام : أنا بريء ممن حلق و سلق و خرق خرحه مسلم .
و أما البكاء من غير نياحة فقد ورد فيه الإباحة عند القبر ، و عند الموت ، و هو بكاء الرأفة و الرحمة التي لا يكاد يخلو منها إنسان . و قد بكى النبي صلى الله عليه و سلم لما مات ابنه إبراهيم . و قال عمر : دعهن يبكين على أبي سليمان ما لم يكن نقع أو لقلقة ] النقع : ارتفاع الصوت . و اللقلقة : تتابع ذلك . و قيل : النقع : وضع التراب على الرأس . و الله أعلم .